بعث رئيس الوزراء الجزائري، عبد المجيد تبون، بمجموعة من الرسائل خلال عرضه مخطط عمل الحكومة على نواب البرلمان، الثلاثاء، عن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد جراء التراجع الحاد في موارد الموازنة والعجز الذي تعاني منه. وقال، أمام طاقمه الحكومي، إن الجزائر ودعت "البحبوحة المالية" منذ عام 2014، لكن الوضع المالي والاقتصادي الذي تمر به يمكن القول إنه مقبول. وأكد، في أول نشاط رسمي له بعد تعيينه على رأس الحكومة الجزائرية الجديدة، التي أفرزتها الانتخابات النيابية التي جرت في الرابع من مايو / أيار الماضي، أن الجزائر بلد الحريات وستظل كذلك مستقبلاً، ومن حق أي مواطن جزائري ممارسة السياسية.
ورد تبون على الأصوات التي تروج لاتساع رقعة هيمنة أصحاب المال على مصادر القرار السياسي في الجزائر، وبروز نجم القوى المالية في سماء السياسية في الجزائر، ليس كبديل عن الأحزاب السياسية فقط، وإنما كقوة صنع قرار جديدة، حيث ظهر للعيان تحالف بين الحكومة السابقة ورجال المال، واعتبر الكثيرون أن التعديل الهيكلي الذي أجراه الرئيس على الحكومة، وتعيين عبد المجيد تبون، جاء لتهدئة الوضع العام، قائلاً: "من الآن فصاعدًا ستكون هناك حدود واضحة بين الدولة ورجال الأعمال"، مشددًا على أن حكومته مقتنعة بأن الثروة تأتي من خلال الأعمال.
وقال رئيس الوزراء الجزائري إنه، خلافًا للصورة السوداوية التي يروج لها البعض، تضع مؤشرات التنمية البشرية الجزائر في مقدمة الدول الناشئة، مؤكدًا أن النجاح سيكون حليف طاقمه الحكومي الذي سيحسب له أنه ساهم في جعل الجزائر تتجاوز المرحلة الصعبة التي تمر بها، جراء الأزمة التي ضربتها عام 2014 بسبب تهاوي أسعار البترول في الأسواق الدولية، وازدادت حدتها خلال العامين الماضيين، مبينًا أنه، رغم تراجع موارد الدولة بنسبة 50 % خلال ثلاثة أعوام، إلا أن البلاد تمكنت من الحفاظ على احتياطاتها بالعملة الصعبة، والتي تصل إلى 100 مليار دولار. ولفت إلى أن الهدف من مخطط عمل طاقمه الحكومي هو تحقيق نمو للناتج المحلي الخام خارج المحروقات بنسبة 6.5 % في السنة، ورفع دخل كل فرد بنسبة 2.3 %، والوصول إلى الأمن الغذائي، خلال الفترة الممتدة من عام 2020 إلى 2030.
وأشار تبون أن الاستثمار الذي لا يقدم إلى الخزانة العامة أي موارد غير مرغوب فيه، مشددًا على أن الحكومة لن تمول أي استثمار لن يعود بالفائدة عليها، سواء بالعمل أو الإنتاج. وبخصوص ملف الدعم الاجتماعي، ورغبة الحكومة الجزائرية في إعادة النظر فيه بالتشاور مع الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني، وفق ما جاء في مخطط عملها، طمأن تبون الجزائريين وقال إن الجزائر "دولة اجتماعية" منذ 1954، وستظل كذلك وفاءً للشهداء والمجاهدين، ولن تتخلى عن دعم ومساعدة الفئات المحتاجة، مؤكدًا تمسكها بالبرامج السكنية بمختلف الصيغ، رغم الضائقة المالية التي تمر بها البلاد، وستنجز 1.6 مليون وحدة سكنية للقضاء على السكن الهش، إضافة إلى التكفل بالصحة والتربية، وضمان الأمن الطاقوي على المدى البعيد، بوضع ترتيبات مالية جديدة لتحفيز المستثمرين في مجال الطاقات المتجددة، وتعزيز قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتشغيل الشباب، وتوسيع وإصلاح نظام الضمان الاجتماعي بتسجيل ثلاثة ملايين مؤمن له جديد، وإحداث التقاعد التكميلي. وتضمنت خطة عمل حكومة تبون للسنوات المقبلة العديد من الأولويات، من بينها السكن، والعمل، والأمن، وتعزيز الاقتصاد، بهدف تجاوز أزمة مالية واقتصادية كبيرة تعيشها الجزائر بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية.
ويرى مراقبون للشأن العام في البلاد أن الطاقم الحكومي الجديد، الذي أعلن عنه الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، بعد الانتخابات النيابية التي جرت في أيار الماضي، هي حكومة "أزمة"، أولويتها تتمثل في مواصلة انتهاج سياسة التقشف، للحد من تأثيرات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط.
وتسعى الجزائر جاهدة إلى تحقيق نمو سنوي بنسبة 3,7 % في المتوسط، في قطاع النفط والغاز بين 2017 و2021. ويستهدف البرنامج الحكومي تطوير الاستثمارات وتوسيع النسيج الصناعي، وتثمين الموارد الطاقية وتطهير المحيط الاقتصادي والتجاري، من خلال دمج التجارة الموازية ضمن القنوات الرسمية، ومحاربة التهريب، وتشجيع القطاع الزراعي. كما تعهدت خطة العمل بمواصلة مشاريع السكن والتخفيض من نسبة البطالة، وتوظيف 474 ألف عاطل عن العمل. ووعدت بمواصلة العمل بمجانية العلاج في القطاع الصحي، باعتباره إجراءً دستوريًا، كما أكدت أن الجزائر ستعزز جهودها الأمنية والاستخباراتية لمحاربة التطرف والجريمة المنظمة، كالإتجار في البشر والتهريب والتطرف.
وتبدأ مناقشة مخطط عمل الحكومة من قبل نواب البرلمان، الأربعاء، حيث أعطت أحزاب السلطة تعليماتها لنوابها بالتصويت بالإجماع لصالح المخطط.
ورحب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني تشكيلة سياسية في البلاد، الإثنين، بمحتوى برنامج الحكومة بعد دراسته لمشروع مخطط عملها. وأكد بيان صدر عن الحزب الثاني في الائتلاف الحاكم في الجزائر أن مخطط عمل الحكومة يندرج ضمن تنفيذ برنامج الرئيس الجزائري، المتكيف مع الوضع المالي الصعب الذي تمر به البلاد.
وكلّف المكتب الوطني لحزب التجمع الوطني الديمقراطي نوابه في البرلمان بالمشاركة بقوة في مناقشة مخطط عمل الحكومة، في المجلس الشعبي الوطني، والتصويت بالإجماع لصالحه. وأعلن الأمين العام للحزب الحاكم في الجزائر، جمال ولد عباس، دعم تشكيلة الرئيس الجزائري لمخطط عمل الحكومة، لأنه تضمن كل الوعود والمقترحات التي رفعها الحزب خلال الحملة الدعائية للانتخابات النيابية، وأبرزها الحفاظ على مكاسب التضامن الوطني ومجانية العلاج والتعليم. وقال ولد عباس، في لقاء جمعه بنواب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، إن كل ما طالب به ودافع عنه الحزب في الانتخابات البرلمانية تضمنه مخطط عمل الحكومة، كالحفاظ على مكاسب التضامن الوطني، ومجانية الصحة والعلاج والتعليم، وهي مكاسب لا رجعة فيها في هذا المخطط، على غرار المكاسب الثورية، وبالتالي يجب دعمه ومساندته والالتزام بتنفيذه.
وأشارت التوقعات إلى أن برنامج الحكومة سيحظى بمصادقة البرلمان، رغم رفض المعارضة له، لأن أحزاب الموالاة، وهي الحزب الحاكم، الذي يحوز على 160 مقعدًا في البرلمان، والتجمع الوطني الديموقراطي، الذي يحوز على 100 مقعد، وحزب تجمع أمل الجزائر، الذي يمتلك 100 مقعد، والحركة الشعبية الجزائرية، التي تحوز على 13 مقعدًا، تملك أغلبية النصف لتمرير المشروع، بـ232 صوتًا من بين 462 نائبًا.
واعتبرت المعارضة أن هذا المخطط هو نسخة من المخططات السابقة. وقال رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف حركة مجتمع السلم في البرلمان الجزائري، ناصر حمدادوش، في تصريحات صحافية، إن الحكومة الجديدة تحاول الاختباء وراء برنامج الرئيس الجزائري، ويعتبر هذا نوع من الهروب والتعبير عن عجز الحكومة عن وضع برنامج حقيقي ومخطط يستجيب لمتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية. وعلق على قرار الرئيس، القاضي بعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، قائلاً إن عدم الذهاب إلى الاستدانة الخارجية سيدفع ثمنه المواطن، وسيتم فرض ضرائب ورسوم جديدة وإجراءات تقشفية قاسية على المواطن.
أرسل تعليقك