قال المكتب الوطني للإحصاء في الصين، أمس (الجمعة)، إنه من المتوقع أن يكون الأداء الاقتصادي للبلاد في الربع الثاني من العام الجاري أفضل بكثير من الربع الأول. وقال ماو شينغ يونغ المتحدث باسم المكتب، للصحافيين خلال إيجاز صحافي، إن وضع التجارة الخارجية للصين تحسن أكثر في أوائل أبريل (نيسان) الجاري، مقارنةً مع مارس (آذار) الماضي، وأضاف أنه من المتوقع أن ينتعش الاستهلاك مع انطلاق الطلب المكبوح. وأوضح أن وضع التوظيف يظل مستقراً على الرغم من تأثير تفشي فيروس «كورونا»، وإنه لا توجد حالات تسريح كبيرة النطاق للعمالة.
وقال شينغ يونغ إن إمكانات نمو البلاد في الأمد الطويل لن تتأثر بالتبعات قصيرة الأجل لجائحة فيروس «كورونا»، مؤكداً أن تفشي «كوفيد - 19» هو أصعب حالة طارئة صحية عامة منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لكن العوامل الأساسية الاقتصادية للبلاد ما زالت دون تغيير... لكنه اعترف في ذات الوقت بأنه سيكون «على الصين مواجهة صعوبات جديدة وتحديات لإعادة تحريك النشاط والإنتاج».
وانكمش اقتصاد الصين للمرة الأولى منذ عام 1992 على الأقل في الربع الأول، إذ شل تفشي الفيروس الإنتاج والإنفاق، مما عزز الضغوط على السلطات لفعل المزيد لوقف تنامي فقد الوظائف، وكشفت إحصاءات رسمية نُشرت، أمس، أن الاقتصاد الصيني شهد تراجعاً فصلياً للمرة الأولى في تاريخه المسجل، بلغت نسبته 6.8% في الربع الأول على أساس سنوي، وهو ما يعود إلى حد كبير بسبب فيروس «كورونا المستجد» الذي أدى إلى توقف نشاط البلاد.
وأظهرت نتائج البيانات الرسمية أن إجمالي الناتج المحلي الصيني بلغ 20.65 تريليون يوان (نحو 2.91 تريليون دولار) خلال الربع الأول من عام 2020، وأوضح تحليل للبيانات انخفاض الناتج من قطاع الخدمات، الذي يمثل ما يقرب من 60% من إجمالي الناتج المحلي، بنسبة 5.2%، بينما شهدت كل من الصناعة الأولية والصناعة الثانوية انخفاضاً بنسبة 3.2 و9.6% على التوالي.
وأشارت البيانات إلى تحسن سوق العمل في الصين بشكل طفيف في مارس، حيث بلغ معدل البطالة في المناطق الحضرية 5.9% بانخفاض 0.3 نقطة مئوية عن الشهر السابق، وكان الاقتصاد الصيني يواجه ضغوطاً بالفعل قبل تفشي فيروس «كورونا»، إذ نما بنسبة 6.1% خلال العام الماضي، وهو المستوى الأدنى في نحو ثلاثة عقود.
وعلى صعيد آخر، تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 15.8% خلال مارس مع استمرار قلق المستهلكين، بينما انخفض الاستثمار في الأصول الثابتة 16.1% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام على أساس سنوي.
ومع ذلك، لم يبلغ التراجع تقديرات مجموعة محللين استطلعت وكالة الصحافة الفرنسية آراءهم وتحدثوا عن نسبة تراجع تقدر بـ8.2%. وقال المحلل تينغ لو من مصرف الأعمال «نومورا» إن «الانكماش الفعلي في الفصل الأول هو دون شك أعلى مما تبيّنه الأرقام (الرسمية)». وتعكس هذه الأرقام أسوأ أداء منذ بداية نشر الأرقام الفصلية لإجمالي الناتج الداخلي في بداية تسعينات القرن الماضي.
وكان الاقتصاد الصيني قد سجل في الفصل الأخير من 2019 نمواً بلغت نسبته 6% على أساس سنوي. وعلى مدى العام، لم تسجل الصين انكماشاً في إجمالي ناتجها الداخلي منذ 1976، ويتابع المحللون بدقة الأرقام التي تنشرها بكين نظراً إلى وزن الصين في الاقتصاد العالمي. وفرضت بكين نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، إجراءات عزل غير مسبوقة ألحقت ضرراً بالنشاط الاقتصادي، وذلك في إطار سعيها لاحتواء انتشار الفيروس الذي تسبب بوفاة 4632 شخصاً، حسب الأرقام الرسمية.
وعلى الرغم من تحسن الظروف الصحية في الأسابيع الأخيرة، ما زال مئات الملايين من الصينيين يحدّون من تنقلاتهم خوفاً من الإصابة بالفيروس، ورأى المحلل جوليان إيفانز بريتشارد، من مجموعة «كابيتال إيكونوميكس»، أن اقتصاد الصين سيستأنف نموه بين أبريل ويونيو (حزيران)، بعدما «واجه أقسى تباطؤ منذ الثورة الثقافية». لكن متاعب الدولة الآسيوية العملاقة لن تنتهي، بل ستزداد الصعوبات حسب المحلل نفسه، الذي تحدث عن ارتفاع البطالة وطلب داخلي ضعيف ووضع صعب في الخارج، وكلها عوامل ستؤثر على الصادرات.
وتشهد اقتصادات كبرى أخرى حالياً إغلاقات مماثلة تسببت في تعطيل التجارة العالمية، وتشير إلى أن تعافي الاقتصاد الصيني ليس قريباً على الأرجح. ويشكل التصدير المحرك الأساسي للاقتصاد الصيني... غير أن الشركاء الرئيسيين للصين يواجهون بدورهم شللاً في الحركة بسبب الوباء، لذلك شهدت المبيعات الصينية للخارج تراجعاً جديدة نسبته 6.2%، وفق الأرقام التي نشرتها سلطات الجمارك، الثلاثاء.
وتسبب الوباء بإضعاف الشركات الصغرى والمتوسطة الأكثر حيوية في مجال التوظيف. وأغلقت أكثر من 460 ألف شركة أبوابها على مدى الفصل الأول، حسب مكتب «تريفيوم تشاينا». ويرى تينغ لو أن «الضغط على الوظائف يتزايد». ويتتبع القادة الشيوعيون للبلاد على وجه الخصوص تطور هذا المعيار لأنه بالنسبة إليهم أساسي للاستقرار الاجتماعي.
وأعلنت بكين عن تدابير ضريبية متعددة للشركات وخفضت معدلات الفائدة لحض البنوك على تقديم مزيد من القروض لها، ومع كل تلك التدابير، يرى محللون أن خطة واسعة للإنعاش هي الوحيدة القادرة على دعم الاقتصاد الصيني على المدى الطويل. لكن يبدو أن بكين تستبعد هذا الخيار في وقت تسعى فيه البلاد إلى ضبط وضعها المالي.
ونظراً لعدم اليقين المحيط بالوباء، لم تحدد بعد الصين، التي تعلن كل عام في مارس عن استراتيجيتها الاقتصادية، أهدافها للنمو في عام 2020. وفي توقعاته الأخيرة، قال صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، إنه ينتظر نمواً «معتدلاً» بنسبة 1,2% هذا العام، قبل قفزة بنسبة 9,2% العام المقبل مع عودة حركة الاقتصاد العالمي المأمول بها.
أخبار تهمك أيضا
خفض الفائدة على القروض في محاولة جديدة لإنعاش الاقتصاد الصيني
محاولات لإنعاش الاقتصاد الصيني بعد السيطرة على انتشار "كورونا"
أرسل تعليقك