رغم ظهور علامات تفشي تداعيات كورونا منذ فبراير (شباط) الماضي، كشف تقرير رسمي حكومي صدر أمس في السعودية عن تنامي حجم الرخص الممنوحة للاستثمار في المملكة خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 20 في المائة عن الربع الماضي والربع المقارن من العام المنصرم، ما يؤكد الرؤى السابقة حول متانة الاقتصاد الوطني ليكون حاضنا آمنا للاستثمارات الأجنبية حتى في ظل الأزمات العسيرة.
وأفصحت وزارة الاستثمار السعودية أمس عن أنه تم إصدار 348 رخصة للاستثمارات الأجنبية خلال الربع الأول من عام 2020 وذلك بزيادة بلغت 19 في المائة عن الفترة ذاتها من عام 2019. و20 في المائة عن الربع الأخير من العام الماضي، مفصحة في الوقت ذاته عن أن حركة النشاط الاستثماري شهدت تباطؤا خلال الفترة القصيرة الماضية بسبب تداعيات وباء كورونا (كوفيد - 19) على الاقتصاد العالمي.
وأشارت الوزارة في تقرير عن مستجدات الاستثمار الربعي تم نشره على منصات "استثمر في السعودية"؛ إلى أن القطاعات الناشئة نالت النصيب الأوفر من التراخيص الأجنبية، حيث حظيت قطاعات التعليم، والخدمات المالية، والإسكان بزيادة ربعية تقدر بـ57 في المائة، تليها قطاعات الصناعة والتصنيع وتكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات، فيما تصدرت الهند والولايات المتحدة ولبنان والمملكة المتحدة قائمة الاستثمارات الأجنبية الجديدة في السوق السعودية.
أمام ذلك، أكد خبراء اقتصاديون لـ"الشرق الأوسط" أن ارتفاع حجم التراخيص للاستثمار في ظل هذه الظروف يؤكد أن رهان السعودية لما تمتلكه من مؤهلات مغرية للمستثمرين، في قطاع الاستثمار، لا سيما الأجنبي، لأن يكون أحد محركات الاقتصاد كان في محله، مشيرين إلى أن السعودية عملت على أن تقدم فرصا نوعية تنبثق من عوامل استراتيجية تصمد أمام الأزمات. إلى تفاصيل أكثر في هذا التقرير:
خمسون إجراء
من ناحيته، قال المهندس خالد الفالح وزير الاستثمار إن المملكة منذ بداية انتشار الجائحة اتخذت قرارا يقوم على مبدأ حياة الإنسان وسلامته أولا، موضحا أن ترجمة هذا على أرض الواقع كان عبر 50 إجراء وقائيا اتخذتها الدولة لضمان سلامة المواطن والمقيم، كان بينها التعليق المؤقت لدخول المعتمرين والزوار للحرمين الشريفين، وإيقاف رحلات الطيران الداخلية والدولية وغيرها.
وأشار الفالح إلى أن استمرار عجلة الاقتصاد وسير الأعمال كان أيضا على رأس قائمة الأولويات التي طالتها الإجراءات الاحترازية، حيث اتخذت الحكومة عددا من القرارات الحاسمة لتحجيم الآثار السلبية للجائحة، وأعلنت عن حزم دعم للقطاع الخاص تقدر بـ45 مليار دولار، بالإضافة إلى إعفاءات ضريبية، وتأجيل مدفوعات ودعم رواتب الموظفين في القطاع الخاص.
مركز الاستجابة
ولفت الفالح إلى أن وزارة الاستثمار تعاملت بشكل سريع لتخفيف أثر الجائحة على المستثمرين، حيث قامت بتأسيس مركز الاستجابة لأزمة كورونا ليكون مرجعا لجميع المستثمرين وليتم من خلاله تسهيل أعمالهم وتذليل التحديات التي تواجههم، كما تم التواصل مع أكثر من 7 آلاف مستثمر محلي ودولي لتلمس احتياجاتهم والتأكد من استمرارية أعمالهم على أفضل وجه ممكن.
من جهة أخرى، ناقش الإصدار الخاص من التقرير الربعي عددا من الموضوعات ذات العلاقة بتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى المناخ الاستثماري السعودي، إذ عرض نظرة شاملة للآثار الاقتصادية العالمية المترتبة على الجائحة، متضمنة التداعيات المتوقعة على التصنيع والتبادل التجاري والاستثمار والنمو الاقتصادي والدخل القومي للدول، مدعمة بأحدث وأهم الإحصائيات والمعلومات المتوفرة حول هذه القطاعات.
سياسات ناجعة
من جانب آخر، أكد مختصون أن السياسات التي اتخذتها الحكومة السعودية كانت ناجعة، في ظل الإصلاحات والاحترازات التي واجهت بها المملكة أزمة كورونا، حيث جعلت منها سوقا جاذبة حتى في أوج أزمة كورونا، الأمر الذي جعل وزارة الاستثمار تجني ثمار ذلك من خلال زيادة التراخيص التي تطلبها الاستثمار الأجنبي خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام.
وقال المحلل الاقتصادي والمصرفي، فضل بن سعد البوعينين لـ"الشرق الأوسط": "تراهن المملكة على قطاع الاستثمار بشكل عام والاستثمار الأجنبي بشكل خاص كمحرك مهم للاقتصاد وداعم بشكل كبير لبرامج (رؤية 2030) لذا انبثقت الفرص النوعية التي تحرص السعودية على توفرها في بيئتها الاستثمارية".
ولفت البوعينين إلى أن إسناد حقيبة الاستثمار للمهندس خالد الفالح - الذي عين حديثا - أمر مهم لتعزيز قدرات الوزارة لما يمتلكه الوزير من معرفة عميقة بالاستثمارات النوعية التي تحتاج إليها المملكة في القطاع الصناعي أو التعدين والطاقة والطاقة المتجددة على وجه الخصوص وهذا ما سيعزز النتائج مستقبلا.
مؤشر النمو
وحول تنامي التراخيص الممنوحة 20 في المائة، لفت البوعينين إلى أن هذا مؤشر على نمو التدفقات الاستثمارية الأجنبية رغم الظروف الصحية والمتغيرات الاقتصادية العالمية ما يؤكد أن المملكة مصدر ثقة استثمارية، مفيدا بأن المتوقع أن تشهد حركة النشاط الاستثماري تباطؤا خلال الربع الثاني من العام الحالي، مؤكدا بالقول: "يجب ألا يؤثر ذلك على النتائج الجيدة والخطط المرسومة لأننا نتعامل مع وضع استثنائي بسبب كورونا".
وزاد البوعينين: "مع كل ذلك التحفظ الاستثماري فإنني أكثر تفاؤلا باستمرار نمو الاستثمارات الأجنبية بعد انقشاع الأزمة أو على الأقل اتضاح الرؤية المستقبلية للجميع؛ لسببين رئيسين الأول توفر الفرص الاستثمارية النوعية في المملكة والثاني كفاءة البيئة الاستثمارية في المملكة وجاذبيتها مقارنة بالأسواق الأخرى".
فرص أكثر
ويعتقد البوعينين أن جائحة كورونا ربما خلقت فرصا أكبر لجذب الاستثمارات الأجنبية مستقبلا كنتيجة للمتغيرات العالمية وارتفاع المخاطر في بعض الدول، مشيرا إلى أن الصين ستكون أكثر حاجة لضخ استثماراتها الخارجية لزيادة حصتها العالمية، مرجحا أن تكون المملكة من الخيارات المهمة لها، مبينا أن هذا يحتاج إلى عمل واقتناص لتلك التدفقات الاستثمارية في جميع القطاعات التي تحتاج إليها المملكة وتعتبر هدفا لتلك الاستثمارات.
مسببات الثقة
من ناحيته، أكد المحلل الأكاديمي الدكتور سالم باعجاجة أن تقرير وزارة الاستثمار يؤكد أن استراتيجية الحكومة السعودية أتت أكلها فيما يتعلق بجذب ودعم الاستثمار، مرجعا السياسات السعودية الناجعة إلى حرص الحكومة على توفير مسببات الثقة وتمكين مقومات تعزيز قوة الاقتصاد الذاتي.
وأضاف باعجاجة أن النصيب الأكبر من التراخيص نالته قطاعات التعليم والصحة والإسكان وتقنية المعلومات والصناعة وتكنولوجيا المعلومات، مشيرا إلى أن ذلك يحدث في ظل ظروف استثنائية تزامنا مع دعم حكومي تحفيزي لمنشآت القطاع الخاص بحزمة من المبادرات والتي انعكست إيجابا على تحسن أداء شركات القطاع الخاص.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
جائحة "كورونا" تُكبد الاقتصاد العالمي خسائر بآلاف المليارات
صندوق النقد الدولي يتوقع انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 3%
أرسل تعليقك