تتراجع عملات الأسواق الناشئة في آسيا مع تهديد تفشي فيروس كورونا بإبطاء نمو اقتصاد المنطقة ودفع المستثمرين إلى الدولار، وقد ينظر المستثمرون إلى احتياطيات النقد الأجنبي الوفيرة في المنطقة بأنها ذخيرة ضد الاضطراب الاقتصادي الحاد وهروب رؤوس الأموال وتقلبات العملة، ولكن هذا خطأ، وفقاً لما يراه "ساتيجيت داس" في رؤية تحليلية عبر "بلومبرج أوبينيون".
وتوسعت الاحتياطيات النقدية لدول آسيا بشكل كبير منذ الأزمة المالية في عامي 1997 و1998 لتصل إلى أكثر من 5 تريليونات دولار، ما يمثل 40 بالمائة من الإجمالي العالمي.
وغالبًا ما يُشار إلى هذه الاحتياطات كنقطة قوة، لكنها قد تثبت أنها محدودة القيمة في أي زمة مستقبلية.
أولاً: الاحتياطيات ليست أرباحاً، وبالإضافة إلى صافي مدفوعات التصدير فإنها تشمل أيضاً الاستثمارات الأجنبية، ويقابل الأصول (احتياطي الاستثمارات) خصوماً على الجهة الأخرى (المبلغ المستحق للمستثمرين الأجانب).
وتعد الصين صاحبة أكبر احتياطي في العالم حيث بلغ حجمه 3.1 تريليون دولار بنهاية يناير/كانون الثاني، وفي حين أن هذا يبدو رقماً كبيرًا بالدولار، إلا أنه لا يمثل سوى جانب واحد من القصة.
ومنذ عام 2009، يتتبع نمو الأصول بالعملات الأجنبية في الصين الالتزامات الاستثمارية المتراكمة.
وبناءً على معايير صندوق النقد الدولي المستخدمة في حساب الحد الأدنى المطلوب من الاحتياطيات، تحتاج الصين إلى حوالي 3 تريليونات دولار - وهو تقريبا ما لديها الآن.
وتشمل حسابات صندوق النقد الدولي الديون قصيرة الآجل المقومة بالعملات الأجنبية، والتزامات المحفظة الاستثمارية، والمعروض النقدي الواسع، والمطلوب لتلبية المدفوعات التجارية.
وتوجد نقاط ضعف مماثلة في إندونيسيا والهند وجنوب إفريقيا، لأن الاقتراض بالعملات الأجنبية - وخاصة على المدى القصير - مرتفع.
واقترح بعض المحللين أن الصين يمكن أن تستخدم احتياطياتها لإعادة رسملة النظام المصرفي والذي من المؤكد أنه سيتأثر بتوقف الأنشطة الاقتصادية الذي فرضته السلطات في محاولة لإبطاء انتشار فيروس كورونا.
وإذا افترضنا أن مستوى الديون المعدومة يشبه مستوى الديون في أواخر التسعينيات، فإن الخسائر ومتطلبات إعادة الرسملة سوف تبتلع نصف إجمالي احتياطيات الصين أو أكثر، وهذا من شأنه أن يجعل النقد الأجنبي في البلاد أقل من الحد الأدنى لصندوق النقد.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون الاحتياطيات متقلبة، حيث أن استخدامها لدعم عملة ما يقلص حيازتها سريعاً، كما تظهر التجربة الأخيرة لتركيا والأرجنتين.
ومن الصعب تقدير التدفقات الخارجة غير المتوقعة الناتجة عن سحب الاستثمارات أو إلغاء الصفقات التجارية أوعمليات الاسترداد للصناديق المتداولة في البورصة أو المدفوعات الطارئة مثل الأصول التي تستخدم كضمان لسداد الدين أو تسوية المشتقات.
على سبيل المثال، المطالبات المحتملة على الاحتياطيات الصينية من مبادرة الحزام والطريق والالتزامات الدولية الأخرى غير مفهومة بشكل جيد.
كما أن استثمارات الاحتياطي (الأصول التي تتركها الدولة جانباً لتعويض أي انخفاض في قيمة الأوراق المالية التي تمتلكها) من الصعب أيضًا استخدامها لأن معظمهم في السندات الحكومية وغيرها من الأوراق المالية عالية الجودة المقومة بعملات الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني.
وحجم الحيازات يعني أنه لا يمكن للحكومات بيعها دون انهيار أسعار الأصول مثل سندات الخزانة الأمريكية والدولار، وهذا من شأنه أن يتسبب في خسائر كبيرة للمستثمرين الآسيويين.
ووسعت العديد من البنوك المركزية أنواع الأصول التي يشترونها، حيث قامت الصين بإعادة توجيه احتياطياتها إلى استثمارات حقيقية في الاقتصاديات المتقدمة والمشاريع الاستراتيجية مثل الحزام والطريق، ومع ذلك، هذه ليست أصولاً سائلة كما أنها محفوفة بالمخاطر.
وتواجه الصين تحديات في الحصول على القروض التي منحتها للبلدان النامية، كما تتعرض هذه الاستثمارات أيضًا للتدخل المحتمل من قبل البلد المضيف، خاصةً أثناء النزاعات الجيوسياسية أو التجارية.
ومن العوائق الأخرى لاستخدام الاحتياطيات أن إدارة عملاتهم وتأثيرات السيولة المحلية شئء مزعج، لأن إعادة الاحتياطيات المحققة ستدفع العملة المحلية للارتفاع، مما يقلل من القدرة التنافسية الدولية للعملة المحلية، كما سوف يقلل أيضًا من قيمة الاستثمارات الأجنبية عند قياسها بالعملة المحلية للدولة.
كما أن التراكم الكبير أو إنفاق الاحتياطيات على نطاق واسع يؤثر على المعروض النقدي، وفي حين أن البنوك المركزية يمكنها إدارة ذلك من خلال عمليات التعقيم النقدي (عملية يقوم بها البنك المركزي للحد من تأثير التدفقات الداخلة والخارجة من رأس المال على المعروض النقدي)، فإن النزاعات بين إدارة الاحتياطي وأهداف السياسة النقدية ستؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي.
وأخيراً، فإن النموذج الاقتصادي الذي يقوم عليه الاحتياطيات يخلق ترابطًا ماليًا معقدًا بين البنوك المركزية الآسيوية والاقتصادات المتقدمة والتي يطلق عليها "الترابط القاتل" من قبل الراحل "بول فولكر" الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي.
وتمثل احتياطيات النقد الأجنبي مميزات تتيح للبلد المستورد شراء سلع المصدر وخدماته عن طريق الائتمان (الدين)، وسحب الدعم من شأنه أن يخاطر بتدمير قيمة الاستثمارات الحالية وإلحاق الضرر بالاقتصاد الحقيقي والطلب على الصادرات بالنسبة للبلد المقترض.
والترابط يمتد بعمق، حيث أنه منذ عام 2009 يرتبط نمو احتياطيات الدول النامية ارتباطًا وثيقًا بنمو الميزانيات العمومية للبنوك المركزية للاقتصادات المتقدمة والذي كان مدفوعاً بالتيسير الكمي.
ومن أجل جذب عوائد أعلى، قام المستثمرون بنقل رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة، والتي بدورها دعمت الطلب والنشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة.
وهذا واضح في الاعتماد المتزايد للعديد من الشركات في أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان على الاقتصادات الناشئة لتحقيق النمو والأرباح.
ولسوء الحظ، شجعت هذه الأموال الرخيصة الزيادات السريعة في الديون ورفعت خطر عدم الاستقرار المالي في المستقبل في العديد من الدول الناشئة.
ويكمن الحل في التعاون الدولي لإنشاء نظام نقدي جديد، ولتعزيز الطلب المحلي للدول التي تمتلك فائضا ماليا.
وفي عالم من التوترات السياسية المتصاعدة والحروب التجارية والالتزام بنماذج اقتصادية مدفوعة بالديون والصادرات، قد تبدو احتمالات ذلك قاتمة.
ولا يزال هذا عمل غير مكتمل سيتعين على العالم العودة إليه بمجرد تجاوز الصدمة الاقتصادية لوباء الفيروس الصيني.
قد يهمك ايضـــًا :
وكالة الطاقة الدولية تتوقع أول تقلص فصلي لطلب النفط منذ الأزمة العالمية
صندوق النقد الدولي يُحذِّر مِن أضرار تفشي فيروس "كورونا" على اقتصاد اليابان
أرسل تعليقك