فيما عيّنت الحكومة اليمنية ثماني قاضيات في عضوية المحكمة العليا للدولة للمرة الأولى في تاريخ البلاد، استبعد الحوثيون كافة النساء اللائي تقدمن للالتحاق بمعهد القضاء العالي في صنعاء للمرة الأولى منذ ما يزيد عن 17 عاما من بدء التحاق النساء به.
تزامن ذلك مع استبعاد الحوثيين نحو 600 متقدم للمعهد لأنهم لم يحصلوا على تزكية من مندوب جهاز المخابرات في محافظاتهم، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة في صنعاء.
فبعد نحو شهرين من الترحيب المحلي والإقليمي والدولي بالخطوة التي اتخذها مجلس القيادة الرئاسي اليمني بتعيين ثماني قاضيات في عضوية المحكمة العليا في البلاد، فوجئ قضاة وناشطون بإعلان الحوثيين قوائم المقبولين للدراسة في المعهد العالي للقضاء في مناطق سيطرتهم خالية من أي امرأة حيث بلغ عدد المستبعدين من الجنسين نحو 600 متقدم، استكملوا كافة الوثائق المطلوبة للالتحاق بالمعهد الذي يتولى إعداد العاملين في سلك القضاء.
ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في مجال القضاء في مناطق الحوثيين لـ«الشرق الأوسط» فإن ما يسمى مجلس القضاء الذي عينه الحوثيون يهيمن على عضويته عناصر متشددون يعارضون عمل المرأة بشكل عام والقضاء بشكل خاص.
هذه العناصر الحوثية إلى جانب جهاز المخابرات والأمن الذي أوكلت إليه مهمة تزكية المتقدمين يقفون - بحسب المصادر - وراء هذه العملية التي جعلت النساء خارج المعهد وأقصت المئات من الذكور لأسباب ترتبط بعدم الولاء أو تفضيل زملائهم المتقدمين الذين ينتمون لنفس سلالة الحوثي.
تنديد واستغراب
منتدى قاضيات اليمن أصدر بيانا قال فيه إنه وقف «مذهولا» مما اطلع عليه من قوائم القبول الأولى للمتقدمين للمعهد العالي للقضاء لهذا العام بعدد 250 لقضاة المحاكم و403 لقضاة النيابة العامة، وخلو الدفعتين المشار إليهما من العنصر النسائي رغم أن المتقدمات للامتحان كان عددهن 52 طالبة لقضاء المحاكم و70 طالبة لقضاء النيابات.
المنتدى عبر عن أسفه واستغرابه لإسقاط كل المتقدمات للامتحان في تصرف «ينم بوضوح عن انتهاج تمييز عنصري ضد المرأة وتجاوز للمعايير الموضوعية التي دأب عليها المعهد العالي للقضاء منذ فتح أبوابه للمرأة اليمنية، حيث كانت الكفاءة العلمية معياراً للمفاضلة بين المتقدمين ذكوراً وإناثاً».
وأكد المنتدى أن مثل هذا التصرف يعد مخالفاً للدستور والقوانين النافذة التي كفلت تكافؤ الفرص لكل المواطنين دون تمييز بين الذكر والأنثى، كما يعتبر تراجعاً إلى الوراء عما قطعته اليمن في مجال تجسيد المواطنة المتساوية ومنح المرأة حقوقها التي كفلها الدستور والقانون وكانت من أوائل الدول العربية التي منحت المرأة حق الولوج في السلك القضائي.
وطالب المنتدى في بيانه الحوثيين بسرعة التراجع عن أي قرارات تمثل إقصاء للمرأة اليمنية وتمييزاً ضدها واحترام حقوقها المكفولة لها في الدستور والقانون، وإعادة النظر في معايير قبول الدفعتين المشار إليهما وفقاً للمعايير الموضوعية المنصوص عليها قانوناً على نحو يسمح للمرأة بالمنافسة المتكافئة ويضمن الاختيار على أساس الكفاءة العلمية والشروط القانونية.
خطوة رجعية
رغم أن الحكومة الشرعية لا تعترف بالمعهد العالي للقضاء في صنعاء بعد أن قامت بنقله إلى عدن، فإن خطوة الحوثيين أثارت القضاة في مناطق سيطرتهم، إذ يرى القاضي عرفات جعفر أن إقصاء الكادر النسائي من دخول المعهد إجراء خارج إطار الدستور والقانون و خطوة رجعية.
وأضاف أنه من خلال قوائم المقبولين تأكدت الأنباء التي تم تداولها عن وجود توجه لإقصاء الكادر النسائي من دخول المعهد، كانعكاس لخلفية ثقافية معينة ترى عدم أهلية المرأة للقضاء، وطلب من عمادة المعهد توضيح سبب عدم قبول حتى طالبة واحدة ضمن الدفعة الجديدة.
وجهة النظر هذه تؤيدها القاضية روضة العريفي التي توكّد أن اليمن من أوائل الدول التي انتصرت لحقوق المرأة بقبولها في السلك القضائي منذ العام ١٩٧١، وأن هذا التاريخ المشرق المحسوب لليمن يتوافق مع الشريعة الإسلامية والدستور والقوانين النافذة.
ورأت أن استبعاد جميع الطالبات المتقدمات للدراسة في المعهد العالي للقضاء «أمر مقلق للجميع» ووصفته بـ«الانتكاسة» وقالت إن هذه السياسة تعد تمييزا عنصريا تجاه المرأة ومخالفة للدستور والقوانين.
ووفق القاضية العريفي فقد تم في المرحلة الأولية قبول نحو 400 طالب للنيابة و200 طالب للقضاء، وأن الجميع بمن فيهم قيادة السلطة القضائية تعلم ما حققته القاضية اليمنية من نجاح متميز، وطالبت بالتراجع عن أي قرار إقصائي تجاه المرأة.
ومنذ العام 2006 فتح المعهد العالي للقضاء في صنعاء أبوابه للنساء واستمر وجودهن على المقاعد الدراسية إلى جانب الذكور في كل الدفعات وأصبحت منهن قاضيات على مستوى عالٍ من التأهيل والتدريب والأداء المتميز وتفوقن في كثير من الأحيان على زملائهن القضاة من الرجال قبل أن يقدم الحوثيون على هذه الخطوة، والتي تأتي بعد جملة من القيود على عمل وانتقال النساء بين المحافظات أو السفر خارج البلاد.
أسباب غير معلومة
أحد المتقدمين للمعهد العالي للقضاء في صنعاء، ويدعى حاتم، أكد أنه تم حرمان طلاب لأسباب غير معلومة، حيث تم إسقاط أسماء المئات منهم في حين أن معدلاتهم في التسعينيات.
ويؤكد أنه تم رفضهم قبل إجراء أي مرحلة من مراحل القبول أو الفحوص أو الاختبارات التحريرية أو الشفوية أو المقابلة الشخصية، وذكر أن ما حدث هو أن الطلاب سجلوا، فتم فرزهم قبل تطبيق أي شرط من شروط القبول.
ووصف ذلك بأنه «مهزلة» لم تحدث في أي مكان، ولا تحدث حتى في الكليات العسكرية والمعاهد اللوجيستية والاستخباراتية الضيقة. وقال إن هذه الخطوة «وصمة عار» في جبين من طبقها، ومن صمت أمامها وله سلطة فيها.
يشار إلى أن مسودة الدستور اليمني التي أقرت في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان الحوثيون طرفا فيه تضمن نصوصا أكثر وضوحاً وصراحة في مكافحة التمييز العنصري ضد المرأة، فنص المادة 75 منه «المواطنون متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو الأصل أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي أو الإعاقة أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو الوظيفة أو المولد أو أي اعتبارات أخرى».
وزاد على ذلك وفي إطار ترسيخه لمبدأ المواطنة المتساوية أنه نص في المادة 76 منه على مسؤولية الدولة عن سن التشريعات واتخاذ الإجراءات التي تكفل وصول المرأة اليمنية بما لا يقل عن 30 في المائة في مختلف السلطات والهيئات.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
الأمم المتحدة تؤكد أن طالبان تزيد من قيودها على الأفغانيات
حكم بسجن رغد صدام حسين 7 سنوات بتهمةنشر أفكار تروج لحزب "البعث"
أرسل تعليقك