من داخل حوض نهر الأمازون في بيرو، يقبع منتزه مانو الوطني، بتنوعه الكبير الذي يمتد على مساحة 1.5 هكتار، ويضم أحد أهم أنواع الأشجار المهددة بالانقراض، شجرة "سينشونا أوفيسيناليس" المعروفة باسم "الكينا"، التي تستخرج منها مادة "الكينين" التي أنقذت الملايين عبر التاريخ من الملاريا.
وفي يوم البيئة العالمي، 5 يونيو، كان يجب أن نتعرف أكثر إلى الشجرة التي شكلت "تاريخ البشرية" لقرون، وفق موقع "بي بي سي".
تقول ناتالي كانالز، عالمة بيولوجيا بالمتحف الوطني بالدنمارك وتنحدر من منطقة غابات الأمازون في بيرو، إن مادة "الكينين" التي تستخرج من لحاء هذه الشجرة المكتشفة في القرن السابع عشر أنقذت حياة الملايين على مر التاريخ.
ويعد مرض الملاريا، الذي ينقله البعوض بين البشر، من أكثر الأمراض فتكا، إذ أودى بحياة ما يتراوح بين 150 و300 مليون شخص في القرن العشرين.
نبذة تاريخية
بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن مادة "الكينين" أول عقار لعلاج مرض الملاريا في العالم، الذي أثبت فعاليته منذ مئات السنين، واكتشف للمرة الأولى في القرن الـ17، عندما نجح في شفاء كونتيسة تشينتشون الإسبانية، زوجة حاكم بيرو، التي كانت تعاني من حمى وارتجاف وهما من أبرز أعراض الملاريا.
سكان بيرو المحليين
وبعد تناول الكونتيسة توليفة أعدها الكهنة من لحاء شجرة "سينشونا أوفيسيناليس" مع قرنفل وبعض النباتات المجففة استردت عافيتها وأصبحت الشجرة من وقتها شعارا وطنيا لبيرو والإكوادور.
كما ساهمت مادة "الكينين" في علاج الملك لويس الرابع عشر في فرنيا من نوبات الحمى، وأجرى طبيب البابا في روما تجارب عن مسحوق الكينين ووزعة الكهنة على الجمهور مجانا.
وفي عام 1677، أدرجت كلية الأطباء الملكية لحاء الكينا في دستور الأدوية البريطاني كعقار رسمي.
ويتردد أن مادة "الكينين" المستخلص من لحاء شجرة "سينشونا أوفيسيناليس" يقتل الطفيلي المسبب للملاريا.
طلب عالمي
لتلبية الطلب المتزايد على مادة الكينين، استعان الأوروبيون بالسكان المحليين للبحث عن شجرة سينشونا أوفيسيناليس، أو الكينا، في الغابات المطيرة والحصول على لحائها وتحميلها في سفن نقل البضائع في مرافئ بيرو. وما لبثت شجرة الكينا أن أصبحت نادرة.
وارتفعت قيمة لحاء الكينا في القرن التاسع عشر، بالتزامن مع التوسعات الاستعمارية، حين أصبحت الملاريا من المخاطر الكبرى التي تهدد الجيوش الأوروبية في المستعمرات الأجنبية. وبات الحصول على مادة الكينين أحد المزايا الاستراتيجية. ومن ثم أصبح لحاء الكينا أحد أكثر السلع طلبا في العالم.
وفي الفترة بين عامي 1841 و1861، كانت الحكومة البريطانية تنفق ما يعادل 6.4 مليون جنيه إسترليني سنويا على استيراد لحاء الكينا لتخزينه لجنودها في المستعمرات. ولهذا يرى الكثير من المؤرخين أن مادة الكينين كانت أهم الأدوات التي مكنت الإمبراطورية البريطانية من تحقيق أطماعها التوسعية، بحسب دكتور روهان ديب روي، مؤلف كتاب "موضوعات الملاريا".
مزارع الكينا في المستعمرات
لم يقتصر التنافس بين الدول الأوروبية على مادة الكينين، بل تعداه إلى بذور شجرة الكينا. ويقول دكتور روهان ديب روي، إن الحكومتين البريطانية والهولندية كانتا تسعيان لزراعة أشجار الكينا في مستعمراتهما بدلا من استيرادها من أمريكا الجنوبية، ففي منتصف القرن التاسع عشر أقام البريطانيون مزارع أشجار الكينا جنوبي الهند، فيما حول الهولنديون مدينة باندونغ عاصمة جاوة الغربية في إندونيسيا إلى أكبر مركز عالمي للكينين.
ولعبت مادة الكينين دورا كبيرا في انتشار اللغة الإنجليزية في الهند وهونغ كونغ وسيراليون وكينيا وسريلانكا، واللغة الفرنسية في المغرب وتونس والجزائر.
غير أن الطلب المتزايد على لحاء الكينا خلف ندوبا واضحة على موطن الشجرة الطبيعي. ففي عام 1805 سجل المستكشفون 25 ألف شجرة كينا على سفوح جبال الإنديز في الإكوادور، لم يتبق منها الآن في نفس المنطقة سوى 29 شجرة.
قد يهمك ايضا:
الإمارات تدشن حملة زراعة 10.6 مليون شجرة في نيبال واندونيسيا
5 خطوات لزراعة شجرة البونسيانا فى المنزل للتمتّع بجمالها الخلّاب
أرسل تعليقك