على الرغم من الشهرة العالمية لـ "سباقات الهجن" المقامة سنوياً في عدد من دول الخليج العربي، إلّا أن تفاصل هذا السباق ماتزال غائبة عن كثيرين. مراسلة BBC الإنكليزية "باسيمة كراتشا" زارات الحدث وسردت في مقال مطوّل لها حكاية هذا السباق وطقوسه وكواليسه.
في قاعة الانتظار بمطار دبي الدولي للرحلة المتجهة إلى الدوحة، يجلس رجلان يرتديان الملابس الخليجية، ويبدو من عمامتيهما أنهما من عُمان، قد لا تبدو هذه التفاصيل سهلة الملاحظة لمن لم يألف ثقافة المنطقة.
أخذتُ زمام المبادرة وبدأت الحوار معهما، وأخبرني فيصل وأحمد بأن أحد أسباب زيارتهما لدبي هو حضور سباق الهجن.
تعجبتُ، متلهفاً لأعرف القصة "سباق الهجن"، فأجابني فيصل: "أنا مُغرم بتربية الإبل وبسباقاتها، فهو تقليد عائلي".
وأضاف "جدي لوالدي وعائلته يعشقون تربية الإبل، بينما يعشق جدي لأمي وعائلته تربية الخيول، وأنا مهووس بالإبل منذ طفولتي".
البيض والعسل
يعمل فيصل في قطاع الاتصالات، لكن خارج أوقات العمل يربي الإبل بمساعدة عائلته؛ لأنها "تمتص الطاقة السلبية التي تتجمع خلال الأسبوع"، كما يقول.
لا تُربى الإبل هذه الأيام من أجل ألبانها أو لحومها كما في السابق، بل أصبحت طريقة لتكوين ثروة ووسيلة ليغدو صاحبها مليونيراً.
ويوضح فيصل أن الإبل تتبع نظاماً غذائياً غنياً بالعسل واللبن الطازج والبيض والتمر والفيتامينات، ما دفعني لسؤاله: "أليس مكلفاً أن تُطعم الإبل العسل؟"، وأجابني: "نحن ننفق 1000 دولار في الشهر من أجل تحضير الإبل للسباق".
كما شرح لي فيصل أيضاً السن التي يبدأ فيها الجمل بالسباق، وهي تتراوح بين سنتين و7 سنوات، بمجرد أن يشعر المدرب بأن الجمل أصبح مستعداً.
ليس رخيصاً
أما أسعار الإبل فعادة ما يحددها حكام الخليج، فهم يشترونها من مالكيها ولا يبيعونها، كما أنهم يشاركون في المسابقات مثل المواطنين، مستعينين بالعُمانيين لشهرتهم في سباقات الهجن، كما قال فيصل.
يجب القول إن سباق الهجن ليس رخيصاً. لكن كم يتكلف الجمل؟ بحسب فيصل فسعر الجمل يبدأ من 55 ألف دولار فما فوق. فعلى سبيل المثال، أنفق أحد عشاق سباق الهجن في الإمارات 6.5 مليون جنيه إسترليني لشراء 3 جِمال في 2010.
أما الجمل الفائز فتتراوح أسعاره بين 5-10 ملايين دولار، بل وربما يصل أحدها لـ30 مليوناً، وبينما بدا حديث فيصل عادياً بالنسبة له، حاولت جاهداً ألا أبدو مصدوماً.
3 ملايين دولار
لكن تحقيق تلك المكانة ليس سهلاً؛ إذ يجب على الإبل خوض جولات تمهيدية عبر دول الخليج، ويُمنح الفائزون في هذه الجولات مكاناً في السباقات الكبيرة. وكلما استمر حديث فيصل عن أهمية سباقات الهجن، أدركتُ مدى ضخامة سوق الإبل في دول الخليج، السوق الذي يبيع إبلاً كماشية وإبلاً أخرى للسباقات.
كما تُعقد المعارض الأسبوعية وسباقات الهجن المحلية بهدف اختيار أفضل المشاركين للسباقات الكبرى، مثل بطولة كأس الخليج، ومهرجان دبي السنوي، وسباق الشحانية القطري.
أما مضمار السباق فيختلف طوله عادة بحسب سن الإبل المشاركة، حيث توجد سباقات للإبل التي تبلغ أعمارها سنتين أو 4 أو 6 أو 8 أعوام. ويمتد مضمار السباق ما بين 1.5 إلى 8 كيلومترات.
أما الجمل الذي يفوز بالنهائي فيحصل على سيف كجائزة رمزية، بالإضافة إلى الجائزة الكبرى التي يبلغ قدرها 3 ملايين دولار، "مثل سباقات قفز الحواجز في ويمبلي"، مثلما قال فيصل.
الرهان مُحرّم
دفعني هذا القدر من الاهتمام والأموال المُنفقة في سباقات الهجن إلى أن أسأل فيصل إن كان الناس يراهنون على هذه السباقات؟ لكنه أجابني بالنفي، إذ إن الرهان مُحرّم في الإسلام.
وكانت دول الخليج قد منعت مؤخراً اشتراك الأطفال في هذه السباقات بعد الانتقادات التي واجهتها من منظمات حقوق الإنسان بشأن مقتل الأطفال خلالها، وتمت الاستعاضة عنهم بروبوتات آلية.
لكن البالغين مازال بإمكانهم المشاركة في هذه السباقات، التي يظن فيصل أن بإمكانها الانتشار في شتى أرجاء العالم، حتى أوروبا، لكنني سألته أليست أوروبا باردة بعض الشيء؟ فأجابني: "هذا أفضل، فالبيئة الجافة شديدة الحرارة تمتص طاقة الإبل".
إذن مَنْ يعلَم؟ ربما تستطيع سباقات الهجن الوصول لأوروبا يوماً ما.
أرسل تعليقك