رام الله - شينخوا
بخوف وقلق شديد ينتظر الفلسطيني رياض أبو داود عودة أبنائه الثلاثة من مقهى قريب من منزلهم في جنين شمال الضفة الغربية بعد انتهائهم من متابعة مباريات ضمن بطولة كأس العالم لكرة القدم (المونديال) خشية على مصيرهم جراء الحملة التي يشنها الجيش الإسرائيلي بحثا عن 3 مفقودين اختفت آثارهم في 12 يونيو الجاري.ورغم تراجع نسبة مشاهدة الفلسطينيين في الضفة الغربية للمونديال الذي تجري مبارياته في البرازيل بسبب تزامنه مع عملية يشنها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بحثا على الإسرائيليين الثلاثة وما يتخللها من إطلاق نار وتفتيش للمنازل وبعض الأماكن العامة، إلا أن الكثير منهم مازال مصرا على متابعته وخاصة في المقاهي.ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لسكان قطاع غزة فمواعيد المباريات المتأخرة ليلا بالتوقيت المحلي يجعل من مشاهدتها في المقاهي العامة خطرا على حياة السكلن في ظل التوتر الذي شهده القطاع مع بداية المونديال بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بإطلاق القذائف الصاروجية ورد الطيران الحربي الإسرائيلي بشن غارات ليلية.ويقول ابو داود لوكالة أنباء ((شينخوا)), "يتزامن بث المباريات مع توقيت العمليات العسكرية ليلا في الضفة الغربية وإلى حد الآن قتل خلالها ستة فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي عدا عن مسنين آخرين توفيا بنوبات قلبية، هذا إضافة إلى اعتقال نحو 580 آخرين".ويضيف أبو دواد "هذا غير الخوف الذي يتسبب به الجيش للناس لدى اقتحامه المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية، ناهيك عن المواجهات التي حدثت وقد تحدث بينه وبين الشبان الفلسطينيين خلال عمليات الاقتحام".ويتابع "كل هذه الأمور تجعلني قلقا جدا على مصير أبنائي الذين يصرون على الذهاب إلى المقهى لمتابعة المونديال رغم أننا لانعرف بالضبط الوقت الذي يمكن أن يقتحم فيه الجيش الإسرائيلي المدينة".ويشير أبو داود إلى أنه لا يستطيع منع أبنائه من الذهاب إلى المقهى لأنه لا يمتلك جهاز خاص لفك تشفير القنوات التي تبث المباريات فيضطرون للذهاب إلى هناك لمتابعتها, إضافة إلى أنهم يشعرون بالمتعة عند مشاهدتها برفقة أصدقائهم فهم ينتظرونها كباقي الفلسطينيين بشغف حيث تجرى كل أربع سنوات.وأبو داود ليس الفلسطيني الوحيد الذي يبدي قلقا من تزامن العمليات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية حيث اختفى الإسرائيليين الثلاثة مع وقت المباريات.وتقول هند خليفة من مدينة البيرة بالضفة الغربية ل((شينخوا)) إن تصادف توقيت العملية الإسرائيلية مع حدث عالمي مهم أفقد الفلسطينيين متعة المتابعة.وتضيف خليفة "ما أن يبدأ الشباب بالتفاعل مع أحداث المباراة في كل ليلة, تبدأ السيارات العسكرية الإسرائيلية بالتجول في شوارع المدن, وتبدأ المواجهات مع جنود الاحتلال".وتتابع "صوت إطلاق النار والقنابل الصوتية يطغى على أصوات المشجعين... فالشباب كانوا متلهفين لمتابعة مباريات كأس العالم لكن للأسف يبدو أن حماسهم في تشجيع المنتخبات التي يحبونها توجه نحو أمور أخرى لم تكن بالحسبان".وتتهم خليفة إسرائيل, "بأنها نزعت الفرحة والمتعة من الشبان بتزامن عملياتها مع بطولة كأس العالم لكرة القدم وهو الحدث الذي ينتظرونه للترويح عن أنفسهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشوها".وترى أن عملية إسرائيل في الضفة الغربية "لا تهدف فقط إلى إعادة المفقودين الثلاثة بل إلى أبعاد أخرى من خلال زرع الخوف والقلق في نفوس الشبان والناس بشكل عام ونزع الإحساس بالأمان والاستقرار".وبحسب مصادر فلسطينية, فإن غالبية المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي التي جرت خلال الفترة السابقة كانت تحصل بعد انتهاء المباريات بسبب تواجد عدد كبير من الشبان في المقاهي وقت الاقتحامات.ويرى عيسى عمرو من مدينة الخليل التي تتركز فيها العمليات العسكرية الإسرائيلية واختفى الإسرائيليين الثلاثة قربها، أن الجميع بدأ بالتخطيط لمشاهدة المونديال وانتظاره بفارغ الصبر بكل اهتمام, ولكن جاءت إسرائيل بهذه العملية التي قلبت كل شيء, وحولت الاهتمام إلى "متابعة نتائج العمليات العسكرية من قتل واعتقال بدلا من نتائج المباريات".ويضيف عيسى ل(شينخوا) وقد بدت على وجهه ملامح الدهشة والاستهجان "المواطن الفلسطيني إنسان من حقه أن يشجع وأن يلعب ويحلم ويتابع المونديال ومعشوقة الجماهير, لكن الاحتلال كعادته يقف حائطا بيننا وبين أي فرحة".وفي قطاع غزة لا يختلف الأمر كثيرا حيث لا تكاد ليلة تخلو من القصف الإسرائيلي لأهداف معينة ردا على إطلاق القذائف الصاروخية من القطاع تجاه الأراضي الإسرائيلية, الأمر الذي خلق حالة من الخوف لدى الكثير من الفلسطينيين أن يصادف مرورهم عند ذهابهم أو عودتهم من المقاهي لمتابعة المبارات بجانب أحد المواقع المستهدفة ويحدث ما لا يحمد عقباه.لكن أحد سكان بلدة خزاعة شرقي مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة والتي لا تبعد أكثر من 600 متر من السياج الفاصل مع إسرائيل حاول التغلب على صعوبة ذهاب سكان بلدته الفقراء إلى المقاهي البعيدة وخطورة ذلك بأن طرح على شركة اتصالات محلية بتوفير جهاز لفك التشفير وشاشة وماسح ضوئي (بروجكتر) ليتمكنوا من مشاهدة المباريات في ساحة قرب منازلهم.ويجلس سكان القرية من أصدقاء وأقارب كل ليلة أمام الشاشة وكأنهم داخل منازلهم وتعلو هتافاتهم بالتشجيع خاصة عندما يلعب منتخب البرازيل الذي يحظى بتشجيع غالبية الفلسطينيين, إضافة إلى منتخبي الأرجنتين والجزائر الذي وصل لأول مرة في تاريخه في بطولة كأس العالم للدور الثاني بعد تعادله أمس الخميس مع المنتخب الروسي.وعلى الرغم من المخاطر التي قد تشكلها الغارات الإسرائيلية أو توغل قد يحدث من قبل الآليات الإسرائيلية من السياج الفاصل في المنطقة الأمنية التي تمتد ل300 متر ويحظر على الفلسطينيين دخولها لإجراء عمليات تمشيط عسكرية، إلا أن سكان البلدة حريصون على التجمع كل ليلة لمتابعة مجريات المباريات.ويقول خالد قديح أحد سكان البلدة ل((شينخوا))، "لا يمكننا شراء جهاز فك التشفير للقنوات التي تبث المباريات حيث يبلغ سعره مع البطاقة السنوية الخاصة به 300 دولار وهذا المبلغ كبير بالنسبة لنا فكانت فكرة بث المباريات هنا وبهذه الطريقة رائعة وجعلتنا نستمتع بالمتابعة رغم الخطر".ويضيف قديح مبتسما "تعودنا على أصوات التفجيرات والقصف نسمعها ونتابع المباريات... هنا أقل خطرا من الذهاب إلى مقاهي مدينة خانيونس والعودة إلى المنزل في وقت متأخر من الليل".وأعرب قديح عن سعادته بتأهل منتخب الجزائر وهو المنتخب العربي الوحيد الذي يخوض غمار بطولة كأس العام للعام 2014 للدور الثاني, متمنيا له الفوز في المباريات المقبلة.ويقول قديح، إنه رغم كل شيئ نمر به، إلا أن المنتخب الجزائري "أدخل الفرحة إلى قلوب الشعب الفلسطيني, وكذلك الشعوب العربية التي يعاني بعضها أيضا ويلات الحروب".بدوره, يقول أحمد رضوان من سكان البلدة ل((شينخوا))، "الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة خلق بطالة تصل إلى أكثر من 40 في المائة لذلك لا يستطيع الكثير من الناس شراء الجهاز الخاص بفط التشفير وبطاقته السنوية نظرا لارتفاع سعره".ويضيف رضوان إن هذا الأمر جعل غالبية سكان قطاع غزة "يحجزون مقاعدهم في المقاهي وبعض الساحات العامة التي وضعت بها شاشات وأجهزة لمتابعة المباريات، فالشعب الفلسطيني يعشق كرة القدم ويصر على متابعتها رغم الخطر فهو لا يعيش كباقي شعوب العالم بأمن واستقرار".
أرسل تعليقك